
ان الإجابة السطحية عن السؤال حول أهمية دراسة العلوم بكونها ترفع من احتمال حصولك على عمل جيد كوظيفة مهندس مثلا تفتقد للواقعية و لأنه ليس كل من يدرس العلوم فإنه يحصل على العمل، ذلك ان الحصول على العمل كان في مؤسسة عامة تابعة للحكومة او مؤسسة خاصة يرتبط بمحددات أخرى اكثر تعقيدا كالوضعية الاقتصادية في البلد الذي تعمل فيه و كذلك الأوضاع السياسية و الاجتماعية، فهناك عدة عوامل تتدخل لتؤثر في حصولك على الوظيفة من عدمه.
لكن أهمية دراسة العلوم اكبر من مجرد الحصول على وظيفة لان الوظيفة يحصل عليها في أحيان كثيرة اشخاص غير مؤهلون لها و ذلك بسبب الغش او استغلال النفوذ او المعارف العائلية و علاقات اجتماعية أخرى، لكن دراسة العلوم تعني بكلمات أخرى دراسة كيفية عمل الكون من حولنا و اكتشاف القوانين التي تحكمه، ما يؤدي الى فك الغازه و عدد من احجياته المعقدة، إضافة الى ذلك فإن دراسة العلوم تؤدي الى حل عدد من المشاكل التي تعاني منها البشرية و الكائنات الأخرى. عن طريق تطور العلوم تمكن البشر من تطوير وسائل النقل بدئا بالمحركات البخارية التي تحرك السيارات و القطارات و السفن وصولا الى الطائرات و الماكوكات الفضائية، كما تمكنوا من احراز تقدم كبير في العناية بالصحة و الرفع من امد الحياة عبر اختراع الادوية و مضادات الامراض و الفيروسات الخطيرة، كما تمكن البشر – عن طريق العلم دائما دون غيره – من تحسين حياتهم و معيشتهم نسبيا رغم معاناة المجتمعات المتخلفة من مشاكل متفاقمة كالفقر و انعدام البنيات التحتية مقارنة بالمجتمعات المتقدمة، لقد كان العلم باعتباره دراسة عقلانية موضوعية غير متحيزة للظواهر الطبيعية و استغلالها لصالح الانسان، كان السلاح الأكثر فعاليا لذى هذا الأخير و لولاه لما وصل البشر الى ما وصلوا اليه في مجالات مختلفة، لبقي الاقتصاد بدائي بدون حواسيب و بدون الات و لا شيء.
العلوم الطبيعية هي المعرفة التي اثبتت جدارتها عبر التاريخ مقارنة بالمعارف الأخرى كالمعتقدات الدينية مثلا التي يؤمن بها الملايير من الناس، فالمعتقدات الدينية بالاضافة الى كونها لم تقدم جديدا للإنسان، وقفت في عدة مناسبات ضد العلوم و العقلانية و كانت حجر عثرة امام التقدم و الازدهار و قد عنى منها العلماء و المفكرين خصوصا في المسيحية و الإسلام، فقد تم اظطهداد كوبرنيكوس و غاليليو غاليلي و ابن سيناء و ابن رشد و غيرهم بسبب اختلاف أفكارهم و اراءهم عن الأفكار السائدة في المجتمع، هذه الأفكار التي تطغى في مجتمع ما، خصوصا المجتمعات القديمة، تكون في غالبيتها نابعة من الدين السائد في ذلك المجتمع او ذاك، و تكون في عاداتها سهلة الولوج الى عقول الملايين لبساطتها و سذاجتها، تلك السذاجة يستغلها رجال الدين و الكهنوت لتحقيق منافعهم المادية و الهروب من البطالة، فالدين يكون في بعص الأحيان مصدرا للرزق اكثر من أي وظيفة أخرى، خصوصا اذا كان الكاهن، الشيخ، رجل الدين قريب من السلطة أي الحكومة او الرئيس او الملك او الامبراطور.
لذلك يجد الكثير من الناس خصوصا في مراحل متأخرة من حياتهم صعوبة في مناقشة مدى صحة معتقداتهم الدينية، ذلك انهم تأقلموا مع ما تلقنوه منذ صغرهم في المساجد و الكنائس و الاديرة بالإضافة الى المدرسة، و ليس هناك اصعب من اقناع طفل صغير بكون ارنب الفصح او عيشة قنديشة مجرد تخاريف و أكاذيب، فعقل الطفل منذ ولادته ورقة بيضاء يتم ملؤها بالكثير من المعتقدات و الأفكار بمجرد بلوغه السن التي يتكلم فيها و ينطق الكلمات، و هذا التلقين للمعتقدات و الأفكار من قبل الاسرة و المجتمع هو ما نسميه تربية، هذه التربية فيها ما هو سلبي و ما هو إيجابي، لكن الذي يهم هنا هو ان الطفل الصغير يصدق كل ما يقال له و يعتبره حقيقة، لذلك فجميع المؤمنين في العالم بدين من الأديان لم يختاروا معتقداتهم بقناعة أبدا بل تم تلقينها لهم منذ طفولتهم، و إذا كان بعض البالغين لم يجدوا صعوبة في اكتشاف ان ارنب عيد الفصح و بابانويل و عيشة قنديشة مجرد تخاريف و أكاذيب فانهم يجدون صعوبة بالغة في مراجعة معتقداتهم الدينية و التفكير فيها مليا، و يصدمون عند سماع ان شخص غير دينه الى دين اخر او اصبح بلا دين، و لا يتقبل منهم تلك الحقيقة سوى بعض المنفتحين الذين تحركت في عقولهم بعض العقلانية و التنوير.
لكن العلوم الطبيعية كما قلت لا تكثرت كثيرا لمعتقداتنا الدينية وتدعونا دائما لمراجعة أفكارنا المسبقة كما قال العالم و الفيلسوف روني ديكارت، فإذا كنا لا نشك في ما اكتسبناه من أفكار فلا سبيل لمعرفة صحة حقيقتها من عدمها، و سيكون ايماننا دائما اعمى و نوهم انفسنا بالأوهام، و العلم لا يعمل بهذه الطريقة التي تتسم بالتخيل فحسب و اتباع الاهواء الشخصية و المعتقدات التي تكونها ذواتنا، بل كل نظرية علمية تحتاج الى الاثبات بالتجربة و تكون متماسكة في ضوئها و في ضوء المنطق و العقلانية. فأهمية العلم تكمن في الابداع و تحسين حياة البشر و اكتشاف اسرار الكون و الوجود.