أكبر خطأ ارتكبته وندمت عليه في حياتي كلها

في حياتنا نرتكب الكثير من الأخطاء التي تتراوح بين أخطاء صغيرة وأخطاء فادحة تؤثر على كل ما تبقى من حياتنا وتغير مصيرنا، وأعرف أنك أيها القارئ اقترفت بدورك مجموعة من الأخطاء في حياتك وندمت عليها أشد الندم إلا أن الحياة بدون أخطاء لا طعم لها، صحيح؟ وأكبر خطأ فادح ارتكبته وندمت عليه كل الندم، وأرجح أنه أكبر الأخطاء التي سأرتكبها في حياتي كلها، هو أنني أهملت الدراسة الجامعية خلال السنوات الأولى ومنحت اهتمامي لأشياء كان علي تأجيلها الى حين. بمجرد ان حصلت على شهادة البكالوريا وتسجلت في الجامعة ابتعدت كليا عن الدراسة ولم أحظر سوى بعض المحاضرات وكان جل اهتمامي موجه للقراءة والمطالعة عن مواضيع اجتماعية ودينية وسياسية... أي المواضيع التي ليس لها أي علاقة مباشرة بما علي أن ادرسه كطالب فيزياء، وكان علي خلال تلك المرحلة الحرجة أن اعيد التفكير في العديد من من المفاهيم والأفكار والظواهر والمعارف التي اكتسبتها منذ طفولتي الى تلك المرحلة. وقد شكلت تلك السنوات الأولى أصعب مرحلة مررت بها في حياتي حتى الآن، حيث فقدت طعم الحياة وكنت شارد الدهن ولا أعرف من أكون وماذا أريد، فقدت معنى الحياة وفقدت بعض المهارات... ببساطة لقد انقلبت حياتي رأسا على عقب. 

تخليت عن أشياء قيمة لأنني لم أدرك قيمتها آنذاك، وتخليت عن الكثير في سبيل رحلة ومغامرة التفكير تلك، ولا أزال نادما إلى اليوم على كل ذلك الوقت الثمين الذي ضيعته، فقد كان علي أن انهي موضوعا في 24 ساعة عوض شهور، ولست نادما على ما مررت به من تجارب فكرية، بل ندمت على الوقت الذي أخذه مني ذلك وكذلك لاستباقي لأمور كان علي تركها حتى أتخرج وأحصل على شهادة الإجازة ثم أعود الى النبش فيها. كل مغامرة فكرية أخوضها كنت أخوضها لوحدي وأواجه كل ما يقف أمامي لأول مرة دون مساعدة أحد وليس لدي شقيق أكبر درس بالجامعة ليرشدني ويعطيني توجيهات لأختصر الطريق ولا أقوم بكل تلك الدورة الكبيرة. إنها إذا مسألة اختصار الطريق التي ندمت عليها، وأكرر أنني لا أندم على ما فكرت فيه أو ناقشته او أنني ندمت على التغيير الذي طرأ على حياتي وأريد العودة، الأمر ليس كذلك، بل أنا سعيد على ما أنا عليه اليوم رغم أنني لم أحقق الكثير من الأحلام التي كنت أحلم بها ذات يوم، انني نادم على عدم ترتيب الأولويات والبدء بالخطوات التي لا يمكن تأجيلها حيث ان أجلت فإنه لا يمكن تعويضها أبدا، كدراسة الفيزياء، اما قراءة الكتب والاطلاع على التوجهات الفكرية في العالم فيمكنك القيام به حتى ان كنت عجوزا في عمر السبعين. ذلك باختصار ما ندمت وأندم عليه، غير أنني لست متشائم الان بل إنني شخص متفائل دائما وتفاءلي هو الذي يجعلني اكتب هذه التدوينة وأتحدث عن ذلك الجرح الغير قابل للنسيان.