أصحاب "نظرية" الأرض المسطحة: من هم؟ وهل الأرض قرص مسطح؟ هنا الرد على خزعبلاتهم

نعم في القرن ال21 حيث التقدم العلمي والتكنولوجي لا يزال هناك من يؤمن ان الأرض مسطحة وليست كروية ولا بيضوية، ويزعم أنصار هذه "النظرية" أن كون الأرض كروية (أو لنقول بيضوية) مجرد أكذوبة ومؤامرة عالمية شارك في تنفيذها كل من وكالات الفضاء كالناسا NASA  ووكالة الفضاء الصينية واليبانية والروسية ووكالة الإتحاد الأوربي... وكل موظفيها والعاملين فيها ولا ننسى شركات الطيران التي انخرطت في تلك المؤامرة الضخمة التي لم يشهد التاريخ مثلها من قبل، وكذلك المجتمع العلمي بأسره ساهم في تلك المؤامرة، ويؤمن أصحاب الأرض المسطحة إذا ان هناك مؤامرة ساهم فيها ملايين الأشخاص عبر العالم ضمن ما يسمونه "النظام العالمي الجديد"، كل ذلك لأسباب مجهولة حيث الهدف من تلك المؤامرة غير واضح. وقد قاموا برسم عدة رسومات للأرض باستخدام برامج الكمبوتر كالفوتوشوب ونماذج تبين الأرض مسطحة الشكل، بل انه توجد منظمات ترعى هذا الزعم والادعاء "كجمعية الأرض المسطحة" أو "وكالة الأرض المسطحة الإسلامية" ويؤسسون مواقع على الانترنيت وتطبيقات وقنوات على اليوتوب وصفحات ومجموعات على الفيسبوك للدعاية لنموذج الأرض المسطحة. لهذا السبب أكتب هذا المقال لمناقشة تلك المزاعم ونرى ان كان أصحاب هذه "النظرية" سيصمدون أمام الأدلة العلمية والعقلانية ام انهم سيتمرون في الكذب والتزوير والتلفيق والهروب من الأسئلة. 

ملاحظة: لفظة "كروية" في المقال لا أعني بها ان الارض كرة 100% حيث الشعاع ثابت بل فقط أشير اليها ككرة على النقيض من "مسطحة" أما الأرض في الواقع فهي أقرب لشكل بيضوي. 

في القديم اعتقدت الكثير من الشعوب ان الأرض حقا مسطحة ذلك ان الإنسان لا يرى من حوله في بضعة أمتار سوى أرض مستوية مسطحة ولا يبدو فيها أي انحناء يبين كرويتها، ومع ذلك فإن الرياضي وعالم الفلك الاغريقي إراتوستينس Eratosthenes (276 قبل الميلاد!) تمكن من حساب شعاع ومحيط الأرض بتجربة بسيطة حيث اعتمد على الظل الذي تلقيه الأعمدة في مكانين مختلفين: الإسكندرية وأسوان، وقد وجد انه في تاريخ محدد (21 يونيو) وفي منتصف النهار الأعمدة (او أي قضيب عمودي على الأرض) لا تلقي أي ظل، وعلى العكس من ذلك فإنه في الإسكندرية وفي نفس اللحظة الاعمدة تلقي ظلا. هنا تمكن من حساب زاوية الظل تلك ومنه استنتج محيط الأرض باعتبارها كروية علما انه يعرف المسافة التي تربط بين أسوان والإسكندرية وهي 800 كلم وقد كان إنجازا كبيرا حيث المحيط الذي قام بحسابه لا يختلف كثيرا عن القياس الحالي. 

 على أية حال، أصحاب الأرض المسطحة لا يأخذون مثل هذه المعطيات في الحسبان إما انهم يجهلونها أو انهم لا يريدون مناقشاتها ربما لانها تحرجهم 😉. و"نظرية" الأرض المسطحة بشكلها الحالي تجد أسسها في نهاية القرن الثامن عشر في أعمل Samuel Rowbotham  (1816–1884) الذي نشر كتابه "Earth Not a Globe" والذي يدعي فيه أن الأرض مسطحة حول القطب الشمالي وأتباعه ك William Carpenter (1830-1896). وفي القرن الماضي أسس Samuel Shenton جمعية الأرض المسطحة الدولية للأبحاث International Flat Earth Research Society وبعد وفاته حصل Charles K. Johnson على بعض اعماله حيث أسس جمعية بنفس الاسم في أمريكا. وفي كندا تم تأسيس جمعية لنفس الغرض من قبل Leo Ferrari وRaymond Fraser وAlden Nowlan ... لكن الشيء المشترك بين كل تلك المنظمات والمؤمنين بكون الأرض مسطحة هو انطلاقهم من قناعات دينية خصوصا الكتاب المقدس، فهم يرون ان هناك تعارض بين ما جاء في الكتاب المقدس الذي يفسرونه حرفيا وكروية الأرض.

على الرغم من أن معظم المسيحين يعرفون أن الأرض كروية ويحتفظون بإيمانهم بالكتاب المقدس جنبا الى جنب كروية الأرض، إلا ان هناك من يقول إن الكتاب المقدس يؤكد سطحية الأرض بشكل غير مباشر خصوصا في الآيات التالية والتي شكلت الركيزة الأساسية لانطلاق ما يسمى "نظرية" الأرض المسطحة بالرغم من كون مناصروها أحيانا يتجنبون ربطها بالدين في نقاشاتهم ويركزون أكثر على نظرية المؤامرة: 

غير انه في هذا الإصحاح (اشعياء 40 :22) الترجمة العربية تذكر "كرة الأرض" في حين النسخة الإنجليزية تذكر "دائرة الأرض" وهناك فرق بين الدائرة والكرة: 

It is he that sitteth upon the circle of the earth, and the inhabitants thereof are as grasshoppers; that stretcheth out the heavens as a curtain, and spreadeth them out as a tent to dwell in

He hath compassed the waters with bounds, until the day and night come to an end.

Peux-tu comme lui étendre les cieux, Aussi solides qu`un miroir de fonte?

The earth and all the inhabitants thereof are dissolved: I bear up the pillars of it. Selah.

 اذا كان مؤسسو "نظرية" الأرض المسطحة (المسيحيون) ينطلقون من قناعات دينية أهمها الكتاب المقدس الذي يرون ان الأرض الكروية لا تتوافق مع ما جاء فيه من تعالم ومعارف فإنه تجدر الإشارة هنا الى ان الكثيرين من المسلمين ساروا على نهجهم حيث يفسرون القرآن حرفيا ليلائم نظرية الأرض المسطحة وهنا بعض الآيات التي ينطلقون منها ويرون انها تؤكد سطحية الأرض: 

أنا أناقش الموضوع هنا من ناحية العقل والمنطق العلمي بغض النظر عن ما يقوله الدين، لكن داخل الدين نفسه نجد قراءات مختلفة للنصوص المقدسة وتأويلات وهناك إذا صراع (في الإسلام مثلا) بين تيار سلفي محافظ يفسر القران حرفيا ويكفر من يقول بكروية الأرض وهناك اتجاه عصري أو إصلاحي حيث يدعوا الى تفسير آيات القران تفسيرا غير حرفي بحيث يلائم الحقائق العلمية وما وصل اليه العلم. وذلك شأن كل واحد يعني ان يحدد هل يفسر القرآن حرفيا ام يؤوله لتلائم الآيات الحقائق الموجودة في الطبيعة. أما انا فأناقش هنا كما قلت بمعزل عن الدين، يعني آخذ في الاعتبار الأدلة العقلانية والعلمية فقط.

الرد على أصحاب "نظرية" الأرض المسطحة

هناك العديد من الأدلة العلمية والعقلية المنطقية التي تؤكد كروية الأرض والتي تبين أيضا ان مروجي فكرة الأرض المسطحة ليسوا ساذجين فحسب بل مدعاة للسخرية خصوصا أنهم يبدون جديين للغاية في الدفاع عن طرحهم هذا الذي ينافي كل القوانين الفيزيائية والتجارب اليومية. فقد عرف الإغريق أن الأرض كروية الشكل هذا قبل ان تكون هناك ناسا ولا أمريكا ولا ماسونية ولا "النظام العاملي الجديد" الذي يتآمر على أصحاب الأرض المسطحة! فالإغريق كانوا بارعين في الرياضيات وعلم الفلك وعلوم أخرى حيث كما قلت في الفقرة السابقة فقد تمكن العالم الرياضي إراتوستينس في القرن الثالث قبل الميلاد من حساب محيط الأرض ذلك أن الاغريق علموا ان الأرض كروية واستغل الظلال التي تلقي بها الاعمدة في أماكن مختلفة لحساب محيطة الأرض واستنتج قيمة تقريبا مطابقة للقيمة التي نعرفها اليوم ولا تختف عنها الا ببضعة أميال.
كما قام البحارة بدورات حول كوكب الأرض مثل ماجلان وكريستوف كولومبوس، وسفينة البيغل التي كان على متنها تشارلز داروين مؤلف الكتاب الشهير "أصل الأنواع" والتي قامت بدورة كاملة حول الأرض، لكن مدعي الأرض المسطحة يقولون ان كل أولئك البحارة كانوا يبحرون على شكل دوائر على قرص مسطح! فبهذه الطريق يحاولون دائما إيجاد مهرب إما بنفي ما توصل به العلم في الماضي والحاضر واتهام العلماء بالكذب وإما بضرب قوانين الفيزياء عرض الحائط واستبدالها بقوانين كرتونية نابعة من هواهم ومخيلتهم في تناقض تام مع الواقع، كنفيهم مثلا للجاذبية كما فسرها نيوتن او اينشتاين ويقولون انها مجرد وهم وأن ارتباطنا بالأرض هو بسبب كون "قرص الأرض" يتسارع نحو الأعلى وبذلك يجعل كل شيء على سطحه يلتصق به! لكن لنفترض أن ذلك "القرص الأرضي" يتسارع، بعد مدة معينة فإنه سيتجاوز سرعة الضوء وهذا ضد احدى اهم قوانين الفيزياء التي تقول ان أي جسم مادي لا يمكنه تجاوز سرعة الضوء!

1- خط الأفق: أكبر دليل على كروية الأرض

لا يمكن تفسير الأفق الذي نشاهده مثلا في البحر عندما نكون على الشاطئ إلا إذا كان هناك انحناء في الأرض، كما نرى الأفق مثلا عندما نكون في صحراء مستوية بحيث لا يمكن لبصرنا أن يتجاوز ذلك الأفق حتى لو استخدمنا أكبر التلسكوبات. لنفترض أن الأرض مسطحة، إذا كان الأمر كذلك فإن رجلا مثلا يقف في شاطئ مدينة الدار البيضاء سيتمكن من رؤية مدينة نيويورك باستخدام تلسكوب قادر على جلب الصور من مسافة 5,797 كلم، لكن قد يتهرب انصار الأرض المسطحة مجدد بالقول "لكنك لا تتوفر على تلسكوب ولم تجرب" إلا انه في العالم هناك تلسكوبات ضخمة ومتطورة ولو كانت الأرض مسطحة فإن الناس عدد كبير من الناس الذين لديهم تلسبكوب سيقدرون على مشاهدات دول ومدن على مسافات بعيد جدا، إلا إذا كان كل أولئك أصحاب التلسكوبات منخرطون هم أيضا في تلك المؤامرة !

حسنا لنفترض أن كل أصحاب التلسكوبات منخرطون في المؤامرة العملاقة هذه ! في الواقع حتى بدون تلسكوب فيمكننا مشاهدة ضوء مدينة نيويورك من تلك المسافة، إذ الفرق الزمني بين نيويورك ومدينة الدار البيضاء هو 6 ساعات (غرينيتش +1 في المغرب) يعني لو استيقظت صباحا قبل شروق الشمس لنقل في ال 5 صباحا فإن الساعة تشير في نيويورك الى ال 11 ليلا واضواء المدينة تنعكس في السماء ويمكننا إذا مشاهدتها من الدار البيضاء مباشرة دون الحاجة للتلسكوب، لكن ومع كل هذا فإننا لا نرى تلك الأضواء، بل حتى باستخدام التلسكوب فلا يمكن أن نرى على الأرض سوى مسافة معينة يحدها الأفق، وهل تعلم السبب؟! السبب هو أن الأرض كروية ولا يمكن أبدا ان تكون مسطحة!

2- الحجم الظاهر للقمر: (سأكمل هذه الفقرة وفقرات أخرى بعد ان انتهي منها في الايام القادمة).