دعني أولا أقدم نبدة عن هذا الشخص. هيثم طلعت مصري يقدم نفسه كمدافع عن الإسلام، وليس أي اسلام، بل الإسلام السلفي تحديدا، وينتقد الملحدين واللادينيين في قناته على اليوتوب، ويكذب نظرية التطور ويبرر الغزوات الإسلامية ويدافع عنها.
يلبس ثوب الدكتور ويلقب نفسه بهذا اللقب حتى إننا نجهل الموضوع او الجامعة التي حصل فيها على شهادة الدكتورة، فهو مستعد للحديث عن كل شيء تقريبا ويتحدي علماء الفيزياء والبيولوجيا وينعت الغير مؤمنين او الغير متدينين منهم ب "كهنة الإلحاد الجديد".
تفاعل أول مرة مع هذا الشخص حوالي عام 2013 وكان يناقش في مجموعات الملحدين الناطقين بالعربية مثل "شبكة ومنتدى الملحدين العرب" كما عندي في لائحة الأصدقاء وكان اسمه على شكل د. هيثم طلعت وسألته ذات يوم "أستاذ هيثم، أنت دكتور في ماذا بالضبط؟" لكن لم يرد على تلك الرسالة وكانت هي اخر الرسائل، وقد لاحظت في الأيام التي بعدها أنه حذف حرف الدال د. من إسمه وبقي فقط "هيثم طلعت"، لكن أعاد اللقب لنفسه فيما بعد.
من المؤكد أن هيثم طلعت لا تروق له الأسماء من قبيل ريتشارد دوكينز وسام هاريس ودانييل دينيت ولورانس كراوس وحتى داروين، ويعرف هيثم طلعت بالتلفيق والكذب على متابعيه ويقول لمعارضيه ما لم يقولوه ولا يكاد كلامه يخلوا من المغالطات المنطقية.
يمكن الرد على أي فيديو من مقاطع الفيديو التي ينشرها، أي فيديو عندما تتفحصه فستجده مليء بالثغرات والفجوات، وقد اخترت فيديو نشره قبل شهرين بعنوان "استغلال الملاحدة لبوابة إنكار السنة وحقيقة منزلة السنة النبوية..." لأرد عليه في هذا المنشور.
ملخص فكرة الفيديو هي أن الملحدون هم من يقومون بإنكار الاحاديث لكن يخفون إلحادهم وراء صفات كالباحثون والقرآنيون والعقلانيون، وقدم مثالا على ذلك الأستاذ رشيد أيلال مؤلف كتاب "صحيح البخاري، نهاية أسطورة".
يقول طلعت ان منكري السنة هم أجهل الناس بالسنة وليس فيهم دارس للشريعة، كلهم بدون استثناء، فهل القرآنيون لم يدرسوا الشريعة؟ هل رشيد أيلال لم يدرس السنة ولا الشريعة واختار ان يؤلف كتابه من فراغ؟ لا يمكن تصديق هذا الكلام ﻷن هيثم طلعت، كعادته، لا يدخل في التفاصيل ويخبر مشاهديه عن أخطاء رشيد أيلال والقرآنيون، ويعطي أمثلة عن ذلك، فقط الشخصنة وكيل الإتهامات. كما وصف رشيد أيلال بكونه ملحد رغم أن هذا الأخير لم يقل عن نفسه يوما أنه ملحد ولم يتحدث عن معتقده الخاص بل يناقش الأفكار والحجج.
وقال هيتم طلعت في الدقيقة 5:58 "إذا تم إنكار السنة، لا تستطيع أن تواجه أي إلحاد في دين الله"، وبهذا يكون طلعت قد اعترف ان القرآن ليس له أي قيمة إلا إذا كان مرفقا بالسنة أي الأحاديث، فالقرآن إذن بالنسبة لهيثم طلعت ليس كامل ولابد من الإستعانة بالسنة كي يتم فهمه، إلا أن السنة في معظمها منقولة بين البشر، فالصحابة وغيرهم بشر يخطؤون ويصيبون، وعدد من الأحاديث لم يتم تدوينها إلا بعد وفاتة الرسول بأزيد من 100 سنة، ونجد فلان نقل عن فلان الذي بدوره نقل عن فلان في سلسة تظهر عادة في أحاديث العنعنة، فالسؤال المطروح هو ما الذي يضمن أن شخصا لم يخلق حديثا في مخيلته ونسبه للرسول؟ وشخص آخر قد ينسى الحديث أو بعضه وآحر يقوم بتعديله حسب هواه؟ إنها مخاطرة كبيرة في جعل فيمة القرآن وفهمه يلتحمان بالأحاديث لكن يبدو أن هيثم طلعت لا يدري هذا.
عندما يقول طلعت أن كل الذين يرفضون الأحاديث كاملة أو بعضها فقط كلهم ملاحدة فهو يريد من ذلك أن يشحن مشاهديه المؤمنين (المسلمين) ضد هؤولاء بناءا على حقيقة أن لهم موقفا من الإلحاد وهو الرفض، لذلك يفترض طلعت غالبا أن يقوموا باستهجانهم والتهجم عليهم دون الإطلاع على كتباتهم وأقوالهم.
لكن ألا يمكن لمسلم أن يشك في الدين؟ ألا يمكن لمسلم باحث أن يدرس الشريعة الإسلامية ويحفظ القرآن ويلحد بعضها؟ ألا يمكن لمسلم باحث أن يقرأ الأحاديث ويستخدم عقله ويرفض بعضها أو كلها ويقبل البعض؟ كل هذه الإختيارات واردة، وهناك ملحدين تركوا الإسلام بعد دراسة معمقة له، ومنهم من كان إمام مسجد وحفظ القرآن في سن مبكرة لكن اختار أن يلحد في ما بعد. فهذه حقيقة وواقع، بل هناك أشخاص سلفيون من تيار هيثم طلعت السلفي وانظموا إلى تنظيمات إرهابية تعدهم بالحور العين في الآخرة ألحدوا في نهاية المطاف وأنقذو أنفسهم من تلك التنظيمات والفكر الذس تتأسس عليه. فهيثم طلعت يدرك جيدا وعلى متابعيه أن يدركوا أن هناك فعلا مسلمين باحثين ودارسين للشريعة لم تعد أدمغتهم تتقبل كل الأحاديث أو بعضها، وليسوا ملحدين، وقد يصبحون ملحدين فيما بعد، فكما يشك عدد من المسيحيين مثلا في المسيحية وقد يلحدوا او يختاروا دينا آخر (أو أي اختيار آخر) فيما بعد، فكذلك المسلمون ليسوا إستثناء.
إذا واصل المسملون تفسير القرآن بالطريقة الكلاسيكية اعتمادا على تفاسير الطبري وابن كثير... فإنه وببساطة لن يبقى هناك على الأرض إنسان مسلم، وتلك نتيجة كلام هيثم طلعت، فهناك عدد هائل من الثغرات في الأحاديث والتفاسير، وإذا تم إعتمادها حرفيا فإن القرآن سيكون في صدام مع العلم وحقيقة الواقع الذي نعيش فيه، لذلك يرى عدد كبير من المسلمين أنه لا مناص من التجديد والعقلانية في التعامل مع النص الديني سواء كان قرآنا أو حديثا.
فهل الحمل يحدث نتيجة إلتقاء ماء الرجل مع ماء المرأة والذي ينزل من صدريهما؟ وهل يمكن للنجوم الضخمة الحجم أن تسقط على الأرض الضئيلة الحجم؟ وهل الشهوب التي نراها في الليل هي نجوم ترجم الشياطين؟ وهل هنا سبع سموات؟ وهل عمر الأرض 6000 سنة؟ وهل خلقت الأرض اولا ثم السموات بعدها؟ وهل الجبال خلقت كي لا تتحرك الأرض أم هي نتيجة حركة التكتكونية؟ وأليست الأرض بمتحركة أصلا؟ هناك الكثير من التفاصيل بهذا الخصوص ولا يمكن للتفاسير الموجودة بين طيات كتب الطبري وابن كثير أن تحل تناقضها بل تزيد من تأزمها، لذلك لا بديل عن العقلانية في التعامل مع الأحاديث والسنة النبوية ككل، والقرآن نفسه بحاجة للتدبر باستخدام العقل والمنطق، فهل يعقل أن يمنع الله الإنسان من التفكير العقلاني ومن المنطق؟
فيديو هيتم طلعت مليء بالإتهامات والتحذير من الباحثين الذين يفترض أنهم ملحدون بالضرورة وهذا غير صحيح كما قلت ﻷن هناك مسلمون باحثون فعلا غير مقنعون ببعض أو بكل صحيح البخاري مثلا، ولا يعطي أمثلة ولا يرد على كتاب رشيد أيلال ولا أطروحات القرآنيون بأمثلة والرد على ما يفترض أنها "شبهات أتو بها"، يجيد الكلام الفضفاض والشخصنة والسب والشتم. فهيثم طلعت سلفي ولا ينغي أن يؤثر على المسلمون المعتدلون الذين يستخدمون عقولهم، ﻷن السلفيون كما يعرف الجميع متطرفون ولا يقبلون النقاش العقلاني وتحكمه العاطفة وإيمانهم أعمى، يقدسون الشيوخ وينقلون، لا يجتهدون ولا يثقون في قوى عقولهم، ويفتقرون لميكانيزمات التحليل والمقارنة، وسبب دمار لعدد من الدول وعدد من الأجيال، في حين نرى الذين ينعتمهم السلفيون ب"الكفار" و "ديار الكفر" هم الأمم المتقدمة في كافة المجالات وتركوا المسلمين في مؤخرة الدول.