أنصار العروبة والإسلام السياسي لا يزالون يستغلون موضوع فلسطين

منذ أيام يتواصل تبادل القصف بين الاسرائيليين والفلسطينيين بين غزة وتل ابيب، فمن هو أحق بتلك الأرض، الفلسطينيون أم الإسرائيليون؟ إنه سؤال صعب ولا يمكن الإجابة عنه بسهولة، وربما يحق لهما التعايش فيها معا. ولكن لماذا نرى أنصار العروبة والإسلام السياسي يتحمسون لفلسطين أكثر من غيرها من القضايا، فكما نعلم جميعا أن هناك المئات يموتون في اليمن بسبب الحرب والآلاف هناك يعيشون في معاناة لا حصر لها، كما قتل المئات في الحرب الأهلية في سوريا لكن لا نرى في الشارع مسيرات وفي المواقع الاجتماعية تدوينات مسهبة تتضامن مع اليمنيين والسوريين كما نرى بالنسبة للفلسطينيين.

إن معظم المتحمسين للقضية الفلسطينية يأتي حماسهم من هذه الفرضيات أو القناعات:

  1. هناك أمة عربية إسلامية من الشرق الأوسط إلى شمال افريقيا.
  2. فلسطين ونحن جزء من تلك الأمة.
  3. مشاكل دولة من دول هذه "الأمة" هي مشاكل كل الدول التي يفترض انها "عربية" و "إسلامية".

الأمة العربية مجرد وهم يردده أنصار التيار العروبي القومي البعيدون عن الواقع والأمة الإسلامية كذلك وهم على الأقل بالمعنى السياسي لكلمة "أمة" وليس بالمعنى العقدي، أي الانتماء للديانة الإسلامية. لماذا وهم؟ فمثلا كاتب هذه السطور لا يعتبر نفسه عربيا بمجرد أن يكتب بالعربية او يتكلم بها كما لا يعتبر نفسه إنجليزيا بمجرد أن يكتب ويتحدث بالإنجليزية، كما أن لغته الام هي الأمازيغية.   فهل القبايل ومزاب والشاوية بالجزائر عرب؟ وهل نفوسة بليبيا عربية؟ وهل السوسيون والريافة والأطلسيون عرب؟ وهل الكورد عرب؟ إن الدولة التي تحكمها أيديولوجيا العروبة عادة ما تضطهد السكان الأصليين الذين -تاريخيا- ليسوا عرب؛ مثال: اللغة الأمازيغية في المغرب رغم كونها رسمية إلا ان المؤسسات الرسمية تعاديها والكثير من المسؤولين لم يتصالحوا معها بعد.

لنتطرق للمشكل بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، فالنظام الجزائري لا يزال عروبي في طبعه رغم مكتسبات الأمازيغية في الجزائر، وفي حرب ديبلوماسية ضد المغرب في عدد من المحافل الدولية والإقليمية وذلك لدعم أطروحة جبهة البوليساريو التي تسعى لقيام "الجمهورية العربية الصحراوية" فعليا بعد أن أعلنتها من طرف واحد في السبعينيات، وكما يظهر من العنوان او الاسم فهي تتأسس على أيديولوجيا العروبة وبالتالي فالجزائر والبوليساريو ينخرطان في مشروع سياسي يستهدف المغرب، فهل يمكن في سياق العداء هذا الحديث عن "الأمة العربية الإسلامية" وعن كون المغرب والجزائر ينتميان إليها؟

لنأخذ كمثال آخر الصراع العقدي والايديولوجي بين السنة والشيعة متمثلا بين في الصراع بين إيران وعدد من دول الشرق الأوسط التي يحكمها السنة، رغم ان الشيعة والسنة جميعا مسلمين إلا ان هناك حرب طاحنة بينهم في عدة أماكن خاصة مسرح العراق وسوريا اليمن ولبنان، فبأي معنى يمكن الحديث عن وجود شيء  يدعى "الأمة الإسلامية"؟ 

وهل يمكن لمفهوم الأمة أصلا ان يطبق على العلاقات بين الدول؟ هذه العلاقات التي تتأسس على المصالح والاستغلال وليس على مفهوم الصداقة والأخوة! فكيف يعقل ان تكون هذه الدول التي تكن العداء لبعضها البعض (المغرب-الجزائر والسعودية-إيران مثلا) أن تنتمي لامة واحدة؟ بالإضافة لكون مسعى تأسيس 'الأمة العربية الإسلامية" ذو طبيعة بشعة اقصائية وتمييزية ضد غير العرب خاصة الأمازيغ، الذين لا يزالون يعانون نتيجة سياسة العروبة التي تمارس ضدهم في أرضهم. وبالتالي فإن التضامن مع فلسطين لا ينبغي أن يأتي على حساب الهوية والثقافة الامازيغية او أي هوية وثقافة غير الثقافة العربو-إسلامية.

فإذا كنت تدعوني للمساندة في "تحرير فلسطين" باسم العروبة، فأنا لست معنيا بدعوتك لأن الامازيغية لا تزال تعاني نتيجة سياسة العروبة التي نهجت على الامازيغ ما أدى لتقزيم ثقافتهم وهدم وطمس جزء كبير من هويتهم، ويدخل في ذلك طبعا التهميش الاقتصادي. وإذا كنت تدعوني للصراخ من أجل فلسطين باسم "الإنسانية" فعندها لدي الحق لأختار التعبير عن دعمي من عدمه، وليس الفلسطينيون فقط من يعاني إذ هناك شعوب تعاني أكثر منهم في عدد من أنحاء العالم، كما لن أقبل ان تفرض علي الوصاية وتملى علي الأوامر لأتضامن مع هذه القضية دون تلك.

منذ سنوات والامازيغ يصرخون من أجل حقوقهم الثقافية واللغوية والاقتصادية، لكن يكاد لم يتحقق شيئا من حقوقهم. لكن لم نرى إلا نادرا من يتضامن معهم. فمثلا عندما كانت قوات الامن تقمع الريفيون وتطحنهم بعد ان تجرأوا وقاموا بالمسيرات في عدد من المدن والقرى في الشمال خاصة الحسيمة للمطالب بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والثقافية، لم يرد هناك تضامن من الأجانب وحاملي أيديولوجيا العروبة في المغرب.

اما اشعال فتيل هذا الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فلا ينبغي ان ينطلق من أي قناعات دينية من كلا الطرفين، والحال ان هذا هو واقع الحال للّأسف فإنه لا ينبغي على المسلمين ان يصطفوا الى جانب الفلسطينيين في هذا الصراع كما لا ينبغي لليهود أن يصطفوا الى جانب إسرائيل، وليحاولوا حل الصراع بعيدا عن الفرضيات الدينية والحروب "المقدسة". 

وختاما فإن كل انسان حر للتضامن مع القضايا التي يريدها ويعتبرها أولولة، وسيكون من الأفضل ان يكون دافعنا انساني أكثر من اية دوافع أخرى، ولابد من توخي الحذر كي لا يتم استغلال تضامننا من قبل قوى سياسية معينة او يأتي تضامنا على حساب اقصاء الآخرين.