إن الجهل هو غياب المعرفة والإطلاع، وبالتالي فنحن جاهلون في عدد من المواضيع لكونه من المستحيل للبشر أن يعرفوا كل شيء، ولا نعرف سوى جزء من العالم الذي نعيش فيه، لكنها تكون معضلة حقيقية عندما تقف ضد العلم والمعرف وتمنعها عن غيرك، أي أنك تجعل الآخرين جاهلين بالموضوع بسبب تكتمك عليه. لذلك يقوم الأصوليون الإسلاميون بحجب المعرفة عن الناس المحيطون بهم مثلا نظرية التطور الذي اكتشفها تشارلز داروين في القرن التاسع عشر، وهناك منهم من ينشر خرافات الأرض المسطحة ويخفي الحقيقة عن الآخرين، ومنهم من يتاجر بطب الأعشاب او ما يسمى الطب البديل او الطب النبوي وتجدهم عادة يعلبون على أوتار عاطفة الناس أمام المساجد مباشرة بعد الصلاة ويبيعونهم الوهم المغطى ببعض الآيات القرآنية؛ أي انهم يستغلون الدين ومآسي الناس لتحقيق منفعتهم المادية فيبيعون لك قارورة صغيرة ب 100 درهم او اكثر وهي بالمناسبة لا تسمن ولا تغني من جوع، وإذا لم تسيء حالتك فإنها لن تعالجك.
يتعصب الناس للإسلام رغم أنهم لم يختاروه بل تم تلقينهم إياه
لماذا يتعصب الناس لدين لم يختاروه أبدا؟ لم تختر ان تكون مسلما أبدا، ولم تختر ان تكون مسيحيا أبدا... فلماذا تتعصب للإسلام وتعتبره الدين الصحيح؟ وهل من المفروض أن يكون الدين أصلا صحيحا؟ ماذا ان لم يكن هناك "دين صحيح" وكل الأديان مجرد صناعة بشرية؟ إنه احتمال عقلاني ووارد. هناك خصائص نولد معها وتكون بيولوجية كالجنس مثلا وأخرى مكتسبة أي اننا نتعلمها وليست فطرية فينا، فالفطري فينا هو ما يتعلق بطبيعتنا البيولوجية كالخوف والضحك والسعي للبقاء وتجنب الألم والبحث عن الطعام...الخ، اما الدين فليس فطريا ذلك انه مكتسب. رغم ان المسلمين يعتبرون الإسلام فطرة وان كل انسان يولد على الإسلام قبل ان يقوم أبواه "بتهويده او تنصيره"، الا ان هذه الفرضية مجانبة للصواب ذلك انه يمكن للآخرين ان يقولوا بالمثل؛ ان "كل الناس يولدون على المسيحية ويتم بعدها أسلمتهم او تهويدهم..." وتحويلهم إلى أتباع الديانات الأخرى غير المسيحية، والصحيح والطبيعي هو أن كل الأطفال يولدون بدون أي دين وبدون لغة وبدون ثقافة... بل يكتسبون هذه الأمور عن طريق التعلم من محيطهم أي من أبويهم بالدرجة الأولى. فالتجربة هي التي تتحدث هنا وليس العاطفة، فالطفل اذا لم نعلمه الدين ونعرفه على الله والخصائص المرافقة له، ككون الله قادر على كل شيء، لن يعرف الطفل شيئا عن الله ولا عن الدين ولا عن الرسل ولا الذي حدث في غزة بدر او غزوة أحد. وحتى إذا كبر واجتهد فأن هناك احتمالين: 1- ان فكرة الله لن تكون واردة لديه أصلا ويعيش حياته وفق طبيعته البيولوجية، 2- انه سيعتبر فكرة الله أو مجموعة من الألهة ويؤمن بها. لكنه في جميع الأحوال لن يكون مسلما ولا مسيحيا ولا بوذيا... ما دمنا لم نلقنه دينا من هذه الأديان. فالفكرة إذا نلخصها في حقيقة ان الدين مكتسب وملقن وليس فطريا.
الثقافة أيضا اكتسبناها ونتعصب لها !
لكن ماذا عن الثقافة التي نولد في حضنها، لماذا قد نتعصب لها ونعتبرها الأفضل او نبحث لها عن النفوذ، فهي أيضا مكتسبة كما نعلم، وبما أنني مثلا لست مستعدا للتخلي كليا عن ثقافي وأحب الموسيقى واللغة التي أنتجت في أعماقها، فإنه على الأقل ليس علي التعصب لها، ولابد من التسامح مع باقي الثقافات. ونفس الشيء على المتدين القيام به، وليس عليه التعصب لدينه. وكذلك البلاد التي نولد فيها، فنحن لم نختر الولادة فيها بل فقط ولدنا ووجدنا أنفسنا نلقب بجنسيتها وندافع عنها في الحروف والأزمات وأحيانا قد نخونها ونبيعها لمن يفترض أن يكون عدو لنا، من حقنا ان نحب وطننا وثقافتنا وديننا، لكن لا ينبغي أخذ هذه المتغيرات على انها مطلقة ولا تتغير، فهي تتغير باستمرار ولا ينبغي ان تحضى بالقدسية أكثر من الإنسان، فالاعتبار يكون للإنسان أولا قبل الدين وقبل الثقافة وقبل الوطن.
التعصب للوطن الذين ولدنا فيه
فما فائدة وطن يظلم فيه الناس ويموتون بالجوع والعطش وتنتشر فيه السيبة ويستقوي القوي على الضعيف، وأقصد بالوطن هنا الدولة التي ننتمي إليها أو الإقليم او القبيلة أو فقط البيت. فما هي أهمية بيت لا يحترم فيه الأفراد ويعنفون ويسرقون بعضهم بعضا... وما قيمة دين يفرض عليك ان تتبعه هو فقط ويفرض يميز بين الذكر والأنثى في حقوقهم او ينشر لغة ما ويعتبرها لغته المقدسة ويعتبر باقي اللغات ثانوية ولا أهمية لها بالإضافة الى النية المبطنة للقضاء عليها وتغييرها بـ "اللغة المقدسة"؟ ما قيمة هذا الدين إذا كان يظلم الإنسان وينتشر بالسف والإجبار والقهر وليس بالعقل والحوار؟ ما قيمة دين ليست فيه حرية العقيدة؟ ما قيمة دين لا يحل مشاكل الناس الواقعية ويساند المفسدين ليستقووا على الضعفاء ويتحكمون في السلطة باسم الولاء لثابت الدين؟ لا أتحدث عن الإسلام هنا، ولكن اتحدث بصفة عامة كون هذه الخصائص رافقت معظم الأديان عبر التاريخ.
إن التعصب لما وجدت عليه أبويك وقبيلتك ليس شجاعة وليس انتصارا وليس رجولة، بل فقط مرآة تعكس صغر العقل وانعدام الأفاق والضمير، وتتعصب لشيء ليس لك ولم تنجزه بنفسك، وحتى ما ننتجه بأنفسنا لا ينبغي ان نتعصب له من حيت المبدأ، لان التصعب مرادف للجهل وعدم التحضر.
أحمد آيت عثمان، السبت 18 أبريل، 2020. 15:47